بصيغ كثيرة قدم لنا السيد منصف بلخياط نفسه كوزير للشباب والرياضة، ليس فقط نفسه وهي شغوفة وأمارة بالدخول عنوة إلى معترك العمل لكسب الرهانات، ولكن أيضا فكره ومقاربته للأشياء..
قالت كل هذه الصيغ أنه وزير إستثنائي في زمن إستثنائي، والإستثناء في الوزير وفي الزمن هو أن الرياضة المغربية دونا عن كل أزمنتها الماضية تراهن على إنعطافة تاريخية تقلب أسلوب التدبير ونظام التفكير ومنظومة العمل..
وإذا كان البعض قد عاب على السيد منصف بلخياط حماسه الزائد عند التعليق على أحداث أو عندما يطلب للإدلاء برأي في ظواهر بعينها، فإن القليلين هم من توصلوا إلى أن الرجل مسكون فكرا وعقلا وإرادة برغبة في تكسير جدارات الصمت والقفز على المثبطات وعلى معطلات الإنطلاق بالرياضة الوطنية إلى ما يرتضيه لها عاهل البلاد والجمهور الشغوف..
وكان ضروريا أن يطل علينا السيد منصف بلخياط من خلال برنامج «مستودع» الخميس الماضي وقد حل ضيفا على الزميل أسامة بنعبد الله لنتبين جيدا ملامح فكر الرجل، الذي يتحمس ولا يتهور، يقرأ عمق الأشياء ليؤسس الأحكام على وقائع وليس على فرضيات وتلك حكمة المسؤول..
في تلك الحلقة أظهر بلخياط التوازن الموجود داخل فكره وفلسفة عمله، عندما ربط بنسبة نجاح عالية بين مكونات الإستراتيجية التي تهدف إلى إعطاء الإنطلاقة الفعلية لأوراش العمل داخل كل الرياضات الوطنية بحسب المرجعيات والتراكمات والقدرات الفعلية للنجاح دوليا وقاريا وجهويا.. ومثلما كان السيد وزير الشباب والرياضة لسيطرته الفكرية على مجالات العمل واضحا في رسم خارطة الطريق وأيضا في عقلنة أسلوب التدبير، فإننا سنكون متطلعين للمرحلة القادمة التي ستكون بالتأكيد مرحلة مساءلة الذات عن الذي تحقق في كل هذه الأوراش المفتوحة، كيف كانت سرعة العمل فيها؟ بأي إمكانات وبأية مرافقة ومراقبة؟ وبأية صرامة في الحكم على النتائج وعلى المحصلات؟
صحيح أنني أطمئن إلى شخص السيد منصف بلخياط، أطمئن إلى قدراته وأيضا جرأته في رسم معالم الشخصية المطابقة لخصوصية المرحلة، وأطمئن إلى أنه مفوض بإرادة سياسية واضحة لإحداث ثورة نمطية داخل الشأن الرياضي لتغليب الإحترافية فيه ولتحكيم لغة التدبير المقاولاتي، ولتحريك الفاعل الإقتصادي للإستثمار فيه، ولهيكلته ليكون فعليا عنصرا داعما لمنظومة التنمية الشاملة، إلا أن ما يمكن أن يزيد في هذا الإطمئنان أن يكون الكل قد استوعب جيدا ما توجبه ضرورات هذه المرحلة، وبخاصة أمر على جانب كبير من الأهمية، من يستطيع أن يسهم روحا وفكرا وعقلا في إنجاح هذه الأوراش فأهلا ومرحبا به، ومن لا يستطيع ذلك فعليه أن يبتعد هو قبل أن يضربه وينفيه طوفان التغيير..
ذلك ما فهمته من كلام كثير قاله السيد الوزير في مستودع «الرياضية»، وفي أكثر من مستودع للأمل وللعمل..
--------------
ترفض الثورات المتلاحقة لتكنولوجيا الإتصال والمعلوميات أن تكون للصحافة حدود تقف عندها أو تعريفات تقليدية تتقيد بها، فهناك باستمرار أجناس إعلامية ووسائط إتصال تولد، تفتح الهوامش لصدام حضاري راق بين الرأي والرأي الآخر، وتمد باستمرار جسورا يتواصل من خلالها كل واحد منا مع فكر ورأي وثقافة الآخر..
وكان آخر جنس ظهر في فضاء الإعلام هي الصحافة الإلكترونية التي أعطت لأجيال اليوم من الموهوبين بعلم وبفن التواصل فرصة لتأسيس الذات ولتشكيل الشخصية المبدعة في عوالم السلطة الرابعة، وإن كان قد وضعتهم في مأزق معرفي وإنساني، عندما أعطتهم قدرا كبيرا من الحرية في بناء الرأي وفي التعبير عنه أيضا، ما يفرض بطبيعة الحال أن تنشأ تلقائيا داخل كل واحد منا رقابة ذاتية مرغوب فيها وغير مفروضة، هي وحدها التي تعطي للإعلامي توازنه الفكري..
ولست أدري لماذا صور البعض أننا نحن من ننتمي لعهود سابقة على هذه الثورة التكنولوجية في منظومة الإتصال قد أصبنا بعسر في الهضم وبضيق شديد في التنفس وبتصلب خطير في شريان الإبداع عندما أطلت علينا هذه المواقع الإلكترونية، وقد أصبحت في واقع الأمر أوكسجينا جديدا يمدنا جميعا بمزيد من هواء الحرية..
وجدت هذه الصور المشوشة في عقول وكتابات وتعليقات كثير ممن أقرأ لهم في المواقع الإلكترونية، بخاصة تلك التي تتداول كثيرا عندنا، من موقع «كوورة» إلى موقع «منتخب.نت»، وفي كل مرة كنت أتحمس لتخصيص جانب من هذه الزاوية للحديث عن هؤلاء الذين حلوا بيننا، وقد جعلنا البعض نتصورهم غزاة مع أن الحقيقة هي أنهم مشروع إضافة نوعية، ومشروع صوت إعلامي لا بد وأن نساعده على أن يلتحم بما عداه من أصوات ليعبر بالأريحية الفكرية وبقوة الإنتماء لهذا الوطن عن حاجات كثيرة..
وسنحت لي الفرصة وأنا أقبل تفعيلا للإستعداد الذي أبديه باستمرار لقبول الآخر وأيضا مؤازرته وشد عضده أن أنزل ضيفا على موقعي «كوورة» و«منتخب.نت» لأن أتصدى لكثير مما هو مغلوط في أحكام صدرت لغاية الأسف على أنها أحكام قيمة، لم يطلب عند تجهيزها رأي الآخر، كما أمكنني أن أرفع قدر الحوار الحضاري الذي من دونه لا نستطيع أن نتقدم خطوة واحدة، فما أكثر ما صددنا عن بعضنا، وما أكثر ما إنزوينا بأنفسنا بعيدا، كل في فلكه يدور غير مهتم بالآخر..
وراقني كثيرا أن من أنجز الحوار وهو بالتأكيد بعمر أكبر أطفالي كان متحمسا جدا لأسئلته لا يريد بها إستفزازا ولا يقصد بها إساءة، أكثر ما يريد بها تكسيرا لجدارات من الوهم يقيمها غيرنا أمامنا ونحن غير راغبين فيها..
وإذا كنت أشكر الذي حاورني ونقل بأمانة ما جاء على لساني في صورة ردود، أتمنى أن أكون قد بينت فيها حقائق كانت تغيب عن كثير ممن جعلوا «المنتخب» في الآونة الأخيرة هدفا لنقد، كثيره قام للأسف على حقائق مغلوطة، فإنني بالروح الرياضية التي نؤسس عليها نقذنا داخل «المنتخب» وبالروح الوطنية التي نناضل بها من أجل رياضة مغربية رفيعة الشأن، أرحب بكل مبادرة إلى إثراء الحوار وإغناء النقاش والإنفتاح على بعضنا البعض، ما دام أن الغاية هي واحدة ووحيدة، خدمة هذا البلد..
كل أملي أن تنتصر البراءة على الأنفس الأمارة بالغدر، وأن يشغل فضاء الرأي والنقاش من لهم غيرة على هذا البلد، ليندحر كل الذين ينهشون لحم الرياضة ويهتكون عرض الأخلاق الرياضية والإعلامية ويزايدون عليها في أسواق النخاسة، مع أنني على يقين تام بأنهم إلى زوال طال الزمان أم قصر..
"نقلا عن صحيفة المنتخب المغربية"